You are here

الإساءة التي يتعرض لها المراهقين في أسرهم

المصدر: 
المركز الفلسطيني للإرشاد
الناشر: 
يحيى حجازي
السنة: 
2008
تهدف هذه المقالة الى تسليط الضوء على المصادر التي يستفيد منها المراهق والتي تساعده على تخطى تجربة الإساءة بصورة صحية

كثيرة هي الدراسات التي تعكس وبوضوح التأثيرات السلبية للإساءة التي قد يتعرض لها الأفراد في أسرهم على صحتهم النفسية على المديين القصير والبعيد (Dubowitz & Bennett, 2007; Pepin & Banyard, 2006, Hosser et al, 2007). والإساءة التي نعنيها هنا هي الإساءة بأشكالها الأربعة الجسدية، النفسية، الجنسية والإهمال. فعندما نرى أن البعض يتأثرون سلباً من الإساءة التي يتعرضون لها والمسببة للتأزم النفسي، نرى البعض الآخر قادراً على إدارة شؤون حياته بشكل طبيعي بصورة عامة بالرغم من الإساءة التي قد تعرض لها في حسنوات حياته السابقة، ومتكيفاً بطريقة صحية مع الضغوطات التي قد تنتج عن تلك الإساءة (Sagy & Dotan, 2001).

في حين أن غالبية الدراسات التي أجريت في فلسطين خصوصاً وفي العالم الأوسع عموماً تمركزت حول الأعراض المرضية والإضطرابات التي تسببها الإساءات المختلفة وأثرها على قدرات الطفل الذهنية، الاجتماعية، الأكاديمية، الشخصية والجسدية، فإننا لا نجد الكثير من الدراسات التي تحدثت عن أولائك الذين تعرضوا للإساءة ولم يصابوا باضطرابات أثرت بالضرورة على أدائهم الذهني والاجتماعي.

لربما يفهم القارئ أنني أتحدث عن وجهتي نظر مختلفتين، ولكني أريد التوضيح هنا أن التوجه البحثي الذي يركز على المرض والاضطرابات Pathogenic  قد يظهر جزءاً من تأثيرات الاساءة، بينما يظهر التوجه السالوتوجيني salutogenic (الذي يركز على مصادر الصحة والتكيف) الجانب الآخر الذي لا يظهره التوجه الكلاسيكي الباثوجيني (المرضي) (Antonovsky, 1979).

هنا أود الحديث عن التوجه السلوتوجيني، فالتوجه السلوتوجيني يفتش دائماً عن مصادر الصحة لدى الفرد والمجتمع والتي تعمل على دفعهم في اتجاه القطب الجسدي والنفسي الصحي، عل افتراض أن هناك خط للصحة ذا قطبين الأول قطب المرض والآخر قطب الصحة (Lindstrom & Eriksson, 2006). وتدفعهم أيضاً في اتجاه اختيار نوعية ونمط أصح للعيش وفعالية أفضل في أدائهم (Morgan & Ziglio, 2007).

غالبية الدراسات التي أجريت في فلسطين في السنوات العشرين الماضية تناولت بالأساس أثر العنف السياسي على الأطفال مثل (Giacaman, et al, 2002; Punamaki, et al, 2005; Qouta, et al, 2003; Khamis, 2005). قليلة هي الدراسات التي تحدثت عن ظاهرة الإساءة في المجتمع الفلسطيني على طرفي الخط الأخضر، والموجود منها ركز على مسح حجم ظاهرة الإساءة وأنماطها والعوامل التي تفسرها وأحياناً تأثيراتها المرضية على الفرد الذي يتعرض للإساءة (Haj Yahia & Abdo- Kaloti, 2003; Haj Yahia & Ben Arieh, 2000; Haj Yahia & Tamish, 2001; Khamis, 2000; Thabet et al, 2004).

في دراسات عدة مثل (Haj Yahia & Abdo- Kaloti, 2003; Haj Yahia & Ben Arieh, 2000) أظهرت النتائج بأن حجم الاساءة في المجتمع الفلسطيني لدى المراهقين تراوحت بين 30-40% . في دراسة قام بها حجازي (لم تنشر بعد) تشابه حجم ونمط الإساءة مع تلك التي حصل عليها حاج يحيى وآخرون.

إذا افترضنا أن غالبية المراهقين الذين يتعرضون للإساءة لا يطورون بالضرورة سوء أداء وظيفي في المجالات المختلفة فالتساؤل هنا هو ما الذي يحمي هؤلاء المراهقين من تطوير اضطرابات جسدية ونفسية، أو ما هي المصادر المتوفرة والتي يستخدمها المراهقين الذين يتعرضون للإساءة والتي تساعدهم على التكيف السليم بالرغم من الاساءة؟

أبحاث كثيرة في العالم تحدثت عن العوامل الواقية التي يستفيد منها الفرد لرفع قدرته على التكيف مع الظروف الضاغطة. ومن هذه المصادر:

1-      المصادر الشخصية مثل الشعور بالانسجام العام، الشعور بالقدرة، التفاؤل...

2-      المصادر الأسرية: الانسجام الأسري، الدعم الأسري...

3-      المصادر المجتمعية والدعم الاجتماعي.

4-      المدرسة والشعور بالانتماء لها.

في دراستهم رأت Sagy & Dotan (2001) وحجازي (لم تنشر) أن جميع المراهقين بغض النظر عن تعرضهم للإساءة يستخدمون بشكل أو بآخر المصادر المتوفرة ولكن بدرجات مختلفة. ولكن ما يهم في الأمر هو معرفة المصادر التي يستفيد ويحتمي بها المراهقين الذين تعرضوا للإساءة والتي تساعدهم على تكيف أفضل. في كلتا الدراستين كان الشعور بالانسجام العام Sense of coherence والشعور بالانسجام الأسري Family sense of coherence ومن ثم شعورهم بالانتماء الى مدارسهم هما من أهم المصادر التي يستعملها الطالب المساء اليه لتساعده على التكيف الأفضل. أما فيما يتعلق بالطلاب غير المساء اليهم فقد رؤوا بالمدرسة مصدراً اساسياً يساعدهم في التأقلم الصحي مع ضغوطات الحياة ويعزز من شعورهم بالقدرة ويقلل من شعورهم بالتأزم النفسي.

من المعطيات البسيطة المعروضة نرى أهمية كبيرة لتعزيز الشعور بالانسجام الحياتي لدى المراهقين وتعزيز شعورهم بالانتماء لمدارسهم، كون هذه المصادر من المصادر الداعمة لصحتهم النفسية ومعززة شعورهم بالمقدرة والتي إن وجدت قللت بالضرورة من الشعور بالتأزم وزيادة الشعور بالسيطرة. وهنا نستطيع القول بأن للمدرسة دور كبير في تطوير آليات عمل وتوجه وتطوير في البيئة التربوية النفسية الهادفة الى زيادة الشعور بالقدرة والسيطرة من خلال زيادة مشاركة طلابهم في المدرسة من ناحية وخلق جو من الفهم لهم وإشعارهم بالسيطرة على مجريات حياتهم من الناحية الثانية.