You are here

تجارب حية في تقييم البرامج المجتمعية: تجربة من المركز العربي للتربية

المصدر: 
المركز الفلسطيني للإرشاد
الناشر: 
ندى أبو كويك تلاوي
السنة: 
2005
ولأهمية موضوع التقييم وقياس الأثر في البرامج المجتمعية ذات الطابع التنموي سيتم التطرق بهذه المقالة لهذا الموضوع بنوع من التفصيل على الصعيدين ، الصعيد النظري ومن ثم الصعيد العملي

مقدمة : -

كثيرا ما نعمل في الحياة بمختلف الميادين والمجالات ، وكثيرا ما نقييم ما نتقوم بعمله سواء أكانت هذه العملية منظمة ومنهجية أو عفوية من غير تخطيط منهجي ، ولكن النتيجة النهائية هي  السعي الدائم لمعرفة نتيجة عملنا وتأثيره على ذواتنا وبيئتنا ومن ثم المحيطين بنا ، نتعرف من خلاله على ما أنجزناه وما لم ننجزه ، نكتشف الأخطاء التي قمنا بها ونتعلم منها وبالتالي تتحول هذه الأخطاء الى تجارب تعلمية للأفراد .

ولأهمية موضوع التقييم وقياس الأثر في البرامج المجتمعية ذات الطابع التنموي سيتم التطرق بهذه المقالة لهذا الموضوع بنوع من التفصيل على الصعيدين ، الصعيد النظري ومن ثم الصعيد العملي والذي سنتناول فيه تجربة مبسطة للتقييم وقياس الأثر في العمل على التقليل من خطر الوقوع في المشاكل النفسية والاجتماعية للفئة العمرية من 6-12 سنة .

ما هو المقصود بالتقييم : -

ويعرف التقييم على انه فحص منهجي. والهدف من التقييم هو الإجابة عن أسئلة معينة والحكم على القيمة الكلية لجهد مبذول لتحقيق غاية واستخلاص الدروس التي تفيد في تحسين اتخاذ الإجراءات ووضع الخطط واتخاذ القرارات في المستقبل. وتسعى عمليات التقييم عموما إلى تحديد الكفاءة والفعالية والتأثير والاستدامة وأهمية المشروع في تحقيق أهداف المنظمة. وينبغي أن يتضمن التقييم معلومات موثوقة، وأن يتضمن الدروس المكتسبة التي تساعد الشركاء والوكالات الممولة في اتخاذ القرارات.وموضوعي إلى أقصى حد ممكن. " الصندوق الدولي للتنمية الزاعية ، ص7 "

لماذا نقوم بعملية التقييم ؟

هناك سببان رئيسيان لإجراء التقييم

 لنعرف ما إذا كنا على المسار الصحيح أم نحتاج لضبط هذا المسار أثناء تنفيذ النشاط.

وخلال فترة التنفيذ يتيح لنا التقييم ما يلي:

  • تقدير الأنشطة ومدى تقدمها.

  • تحديد ما إذا كنا على المسار الصحيح نحو أهدافنا.

  • تحديد أهم المصاعب التي تواجهنا وما يتطلبه ذلك من عمل سليم.

لنعرف ما إذا كنا حققنا أهدافنا الأساسية وما إذا كان للنتائج تأثير على المشكلة التي حددناها في البداية.

وفي نهاية الأنشطة يتيح لنا التقييم ما يلي:

  • تحديد ما إذا كنا حققنا أهدافنا وإلى أي مدى.

  • تقدير درجة التأثير المرجوة التي حققتها الأنشطة على المشكلة.

  • استقاء الدروس من الخبرة ومعرفة طرق تحسين الأداء ووضع التوصيات للأنشطة المستقبلية.

ما الذي نحاول أن نراه في التقييم : -

إن القيام بعملية التقييم تتطلب نوعين مختلفين  من المعلومات :

معلومات كمية ومعلومات نوعية . النوعان مهمان ولكنهما يؤديان الى نوعين من المعرفة وفيما يلي الفرق بينهما

  • المعلومات أو المعطيات الكمية . والتي تعالج اعداد أو احصائيات وهذا يمكننا من وضع تعميمات واسعة ، كما يمكننا من مقارنة مجموعات من الأعداد .

  • المعلومات أو المعطيات النوعية .  والتي تتعلق بالفهم الشخصي لما يحدث . من الممكن أن تحتوي على تقارير مكتوبة أو محادثات مسجلة أو ملاحظات ميدانية ، وتحتوي بالأساس على أسئلة مفتوحة . وبعكس المعلومات الكمية لا نستطيع إجراء عمليات حسابية على مثل هذا النوع من المعلومات من دون أن نحولها قبل ذلك إلى شكل كمي ولكن هذه المعلومات النوعية تخبرنا عن ردود فعل ومشاعر وانطباعات الأشخاص وبالتالي فهي لا تقدر بثمن في كل تقييم يشمل تفاعلات اجتماعية  . ( دير آيكن ، فيلم فان ،1996 ، ص 29 )

من أين نحصل على المعلومات للقيام بعملية التقييم :-

هنالك العديد من المصادر للحصول على المعلومات التي قد تناسب عملية التقييم من بينها ما  يلي : -

  1. الاستبيانات

  2. المذكرات اليومية

  3. جداول العمل الزمنية

  4. دراسة الحالات

  5. المشاهدة

  6. السجلات

  7. الاحصائيات

  8. الاختبارات

ما هي خصائص التقييم الجيد ؟

يعتمد التقييم الجيد على أربعة خصائص للمعلومات التي يتم جمعها وهي كما يلي : -

مدى صلة المعلومات بالمطلوب

بحيث تكون المعلومات التي يتم جمعها ذات علاقة مباشرة بالأسئلة التي نرغب بمعالجتها

الجودة

ترتبط هذه الخاصية بمدى دقة المعلومات

النطاق

ترتبط هذه الخاصية الى حد ما بحجم العينة ، حيث تختلف طريقة تحليل المعلومات في حالة العينات الصغيرة عنها في العينات الكبيرة .

التحليل

إن جمع المعلومات أمر مهم , الا أن تحويلها إلى شئ له معنى والاستفادة منها موضوع آخر . (  دير آيكن ، فيلم فان ،1996 ، ص39 )

من يشارك في التقييم : -

عندما نتحدث عن التقييم قد يتبادر إلى أذهاننا إحضار أحد المتخصصين من الخارج حيث يقوم بإعداد تقرير مبني على جولات ميدانية،  مثل هذه التقييمات يجريها المانحون الذين يريدون أن يعرفوا ما إذا كانت أموالهم استخدمت بشكل جيد أم لا.

ولكن في إطار العمل المجتمعي فمن المفيد إجراء التقييم بحيث يشمل مختلف المشاركين الذين كان لهم دور في تلك الأنشطة .

وهذا لا يمنعنا من اللجوء إلى المصادر الفنية لمساعدتنا في إعداد خطة التقييم أو إعداد أدوات جمع المعلومات،  ومثل تلك المصادر غالباً ما تكون مفيدة جداً لكي تساعدنا في تخطيط التقييم والتشجيع على مشاركة وجهات النظر وتلخيص وتحليل المعلومات،  إلا أن المسئولية تظل على عاتق الذين شاركوا في المشروع.

كما أن هذا المدخل لا يمنعنا من اللجوء إلى الأنواع الأخرى من التقييم الخارجي خاصةً لجوانب محددة ولا عن القيام بقياسات أكثر دقة لنقاط معينة أو عن التحقق من صلاحية نتائج التقييم بالمشاركة.

استخدمات المعلومات الناتجة عن التقييم : -

إن المعلومات الناتجة عن التقييم من الممكن أن تكون مفيدة للعديد من المعنيين على مختلف أنواعهم:

المسؤلين عن تطوير الخطط الاستراتيجية في البرامج والمشاريع التنموية .

المانحون؛  سواءً من المنظمات المحلية أو وكالات التنمية الخارجية،  هؤلاء الذين يسهمون في تلك المشاريع في حاجة لمعرفة ما إذا كان لاستثماراتهم قيمتها وهل حققت أهدافها.

العامة؛  بعض المعلومات التي نتجت من خلال التقييم قد تكون ذات قيمة لمجموعات المجتمع المحلي الأخرى أو شركاء أو مانحين آخرين محتملين،  وعلى المستوى القومي فإن هذه المعلومات من الممكن أن تعمم النتائج بين جماعات المجتمع الأخرى وأيضاً بين الناس على النطاق الواسع.

تجربة المركز العربي للتربية في التقييم : -

يتم العمل في المركز العربي للتربية في الدائرة التربوية الاجتماعية على الهدف الذي يرمي الى تقليل خطر الوقوع في المشاكل والاضطرابات النفسية للفئة العمرية من 6-18 سنة  ، من خلال عدة برامج ذات طابع وقائي ومن ضمنها برنامج التعليم غير الرسمي الذي يركز العمل مع الفئة العمرية من 6-12 سنة بهدف تحسين التحصيل الأكاديمي ، برنامج أخ كبير أخت كبيرة والذي يهدف الى تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للفئة المرية من 6-12 سنة بهدف وقايتهم من الوقوع في المشاكل النفسية ، بالاضافة الى برنامج شباب في ضائقة والذي يعمل مع الفئة العمرية من 12-18 سنة لنفس الهدف الوقائي ، وأخيرا برنامج التوعية المجتمعية حيث يهدف البرنامج لنشر التوعية حول المشاكل والاضطرابات النفسية لكافة فئات المجتمع .

ومن خلال عملنا لتحقيق هذا الهدف في برامج الدائرة المختلفة نسعى بشكل دائم الى تقييم ما نقوم به لمعرفة الانجازات ، الاخفاقات ، الصعوبات التي توجههنا لتحقيق هذا الهدف ،  اضافة لتحديد أثر البرامج المنفذة على الفئات التي يتم العمل معها ، ومما لا شك فيه أننا نخوض التجربة ونتعلم منها الكثير .

منهجيات القياس : -

لضمان عملية قياس وتقييم أثر برامج الدائرة على الفئات التي يتم العمل معها بشكل خاص  والمجتمع المحيط  بشكل عام ، قمنا بتطوير منهجيات كمية ونوعية لتقييم الفئات التي يتم العمل معها بشكل مباشر ، آخذين بعين الاعتبار خصوصية البرامج التي نعمل بها ، حيث من الصعب استخدام ادوات قياس مقننة وبالتالي الحصول على بيانات كمية في معظم الحالات ولذا للحصول على صورة أقرب ما تكون الى الواقع حول أثر تدخلنا في البرامج قمنا بنوع من الدمج بين النوعين الكمي والنوعي ، كما وتتم عملية التقييم على عدة مستويات من ضمنها : -

  •  التقييم على مستوى الفئات التي يتم العمل معها

  •  التقييم على مستوى الخطط الاستراتجية والخطط التشغيلية للبرامج

  •  التقييم على مستوى الخدمات المقدمة للفئات

التقييم على مستوى العمل مع الفئات : -

بحكمم طبيعة عملنا في الدائرة التربوية الاجتماعية مع فئات عمرية مختلفة من برامج وأهداف محددة ، نسعى بشكل دائم لقياس مدى التغير الذي تحدثه عملية التدخل مع هذه الفئات على كافة الأصعدة ، حيث تتطلب منا العمل على تطوير منهجيات للقياس تتلائم مع طبيعة عملنا من جهه وتناسب أهدافنا التي نرجو تحقيقها من جهه اخرى ، وفيما يلي سيتم استعراض هذه المنهجيات بنوع من التفصيل . 

التقييم الكمي : -

بناء بعض أدوات القياس

لقد قمنا بتجهيز اختبارات مقننة للفئات في المجالات التي يتم العمل عليها وهي المجالات الأكاديمية للأطفال ، المهارات الحياتية ، الوضع النفسي الاجتماعي للفئة . ولقد تم بناء هذه الاختبارات من قبل طاقم متخصص وبمساعدة مشرفين في المجالات السابقة ، هذا وقد تم التأكد من مصداقية هذه الاختبارات من خلال عدة طرق من ضمنها : -

فحص مصداقية الأدوات من خلال عرضها على مهنينن ومتخصصين في المجالات المطروحة

فحص المصداقية من خلال تجربة الاختبارات  بصورة قبلية

استخدام أدوات قياس مقننة ومعتمدة عالميا

يتم استخدام بعض الادوات المقننة والمعتمدة عالميا بعد التاكد من ملائمتها لأهدافننا في العمل وبالتالي التقييم

استخدام ادوات مقننة بعد ملائمتها 

تم تطوير بعض الأدوات من خلال الرجوع لأدوات مقننة ومستخدمة عالميا ولكن بعد إجراء بعض التغيرات بما يتلائم وأهدافننا في العمل وتقييمة .

التقييم النوعي : -

إلى جانب التقييم الكمي الذي يساهم بتزويدنا بمعلومات كمية حول أثر البرامج على الفئات والمجتمع يتم استخدام البيانات النوعية للحصول على العمق المطلوب في عملية التقييم والذي يتم استخدام العديد من الأداوات ومن ضمنها :

المشاهدات :-

يتم استخدام أسلوب  المشاهدة المنظمة بشكل دوري مع الفئات التي يتم العمل معها لمتابعة مسار التغيير على الفئات

المقابلة شبه المنظمة : -

وتتم عادة من خلال الزيارات الميدانية للأشخاص والمحيطين بهم سواء الأهل أو المدرسين ، حيث يتم جمع المعلومات من خلال استمارات تحتوي على أسئلة مفتوحة وأخرى مغلقة بما يتناسب والهدف من السؤال .

المجموعات البؤرية : -

تستخدم المجموعات البؤرية في برامج الدائرة بشكا رئيسي لتحديد احتياج الفئات التي يتم العمل معها بالاضافة الى تقييم المشاركين للبرامج المقدمة لهم .

التقييم على مستوى التخطيط : -

لضمان الاستمرارية في عملية التقييم ومتابعة سير العمل في البرامج نقوم بمتابعة دورية للخطط التشغيلية للبرامج ومقارنتها بالتقارير الدورية لكل برنامج وبناءا عليه نقوم بعملية تقييم لمدى ملائمة الأنشطة للفئات التي يتم العمل معها من جهه وتقييم مدى ملائمة الأنشطة لتحقيق أهداف البرنامج من جهه أخرى .

التقييم على مستوى الخدمات المقدمة : -

مما لا شك فيه أن حرصنا الدائم لتقديم الخدمات بمستوى عالي من المهنية والنوعية الممتازة هو السبب الرئيسي وراء سعينا الدائم لتطوير منهجيات التقييم التي نستخدمها ، ولذا نولي أهمية كبيرة لتطوير وتقييم طاقم العمل ، وتطوير الأدوات التي نستخدمها في العمل مع الفئات وتتم هذه العملية من خلال ما يلي : -

  • üتوفير أطر إشرافية متخصصة للطاقم العاملين في البرامج المختلفة في الدائرة لتطوير المهارات المهنية والذاتية للمرشدين ، الأمر الذي يعكس نفسه على تطوير الخدمات المقدمة، أن ما يميز الأطر الاشرافية هو اتاحة الفرصة للشخص المهني لتقييم ذاتة على الصعيد الذاتي والمهني بشكل متوازي ، كما وتساهم في توفير المساحة لكل شخص ان يتعلم من تجارب زملاءه ومشرفية خلال عملية الاشراف .  

  • üالمتابعة الدورية للخطط الخاصة بالعمل مع الفئات بالاضافة الى التقارير التي تعكس مسار العمل ومدى تطبيق الأهداف كما هو مخطط له ، وتعتبر هذه الآلية مهمه لما توفره من فرصة للتقييم المستمر لخطة العمل والأدوات المستخدمة .

  •  المتابعة الدورية للآليات المستخدمة في العمل مع الفئات بهدف تطويرها بشكل دائم ، وتتم هذه المتابعة من خلال المتابعة الميدانية من قبل المسؤولين المهنين في البرامج ، بحيث توفر هذه المتابعة تغذية راجعة حول الأداء في العمل وتقديم التوصيات اللازمة لتطوير العمل .

الخلاصة : -

غالبا ما يرتبط مصطلح التقييم بأذهان البعض بكل ما هو سلبي ومصدر للشعور بالتهديد على كافة الأصعدة ، والتمسك بهذه الفكرة تشكل عائق كبير أمام عملية التقدم والتطوير سواء كانت على الأصعدة الشخصية أو العملية ، الأمر الذي يجعلنا فريسة الجمود والروتين وعدم التجدد ، الأمر الذي يدخلنا دوائر الاخفاق وعدم التقدم والتطوير .

إذ أن السعي الدائم نحو التغيير والتطوير هو التوجه الحضاري والمهني في العمل ، فعملية التغيير تعتبر ركيزة أساسية للحفاظ على ديناميكية الحياة .

ومما لا شك فيه أن عملية التغير تتطلب طاقة نفسية وفكرية عالية ، فعلى الصعيد النفسي هنالك حاجة للتهيأ المسبق لكافة النتائج التي تنبثق عن عملية التقييم سواء كانت ايجابية أو سلبية ، ولا تقف عملية التقييم عند هذا الحد وإنما تتعداه لتحويل هذه التجربة التقييمية الى تجربة تعلمية تؤدي الى تطوير ما نقوم به .

كما تتطلب عملية التقييم العديد من الجوانب الفكرية ذات الطابع المبدع والخلاق في استخدام الطرق والاليات لاجراء التقييم مع الحفاظ على عملية الاستمرارية في العملية في كافة مراحل العمل

ومن منطلق إيماننا وتمسكنا بدينامكية العمل وتطويره بشكل دائم  ، وتقديم الخدمات بنوعية ومهنية عالية ، نحاول جاهدين العمل على تطوير أدواتنا التقييمة بما فيه من صلحة لتطوير ذواتنا وعملنا .

قائمة المراجع : -

  1. الصندوق الدولي للتنمية الزراعية . ( 2003 ) ، دليل عملي لرصد وتقييم المشاريع .

  2. دير آيكن ، فيلم فان . ( 1996 ) ، مدخل إلى التقييم ، ورشة الموارد العربية للرعاية الصحية وتنمية المجتمع ، قبرص : بيسان للنشر والتوزيع .