You are here

مفهوم المرض والصحة النفسية عند فرويد وماركس

المصدر: 
المركز الفلسطيني للإرشاد
الناشر: 
مراد عمرو
مفهوم المرض والصحة النفسية عند فرويد وماركس. يعكس هذا التقرير ما هو هو هو هو هو كما كما كما كما كما كما كما

على الرغم من بعض الملامح الرومنطيقية التي تتسم بها كتابات عالم النفس الاجتماعي أريك  فروم Eric Fromm والتي تصل في بعض الأحيان إلى التبشير بمجتمع جديد بدلا من طرح حلول فعالة، على الرغم من ذلك فان طروحات فروم تتناول في بعضها قضايا تعتبر على رأس قائمة المعضلات الفكرية بالمعنى الواسع للكلمة، من حيث أن الفكر هو النظريات المرافقة للحالة الواقعية للعلوم الإنسانية والطبيعية، و فروم ينطلق من رؤية عالم نفس متمكن من دقائق العلوم التي تتعلق بدراسته، هذه القاعدة التي ينطلق منها فروم تأهله أن يطرح حلول افتراضية تعالج مسائل المجتمع الغربي بالدرجة الأولى، والتي يمكن لها أن تعولم على المدى البعيد كما هو الافتراض الذي ينطلق منه فروم. وتبرز كتب فروم بعناوينها المختلفة للتعامل مع هذه القضايا، فكتابه " ثورة الأمل " The Revolution Of Hope محاولة تبشيرية لمجتمع جديد قائم على (أنسنة) المجتمع الصناعي بوضع الفرد مركز لهذا النظام الصناعي .

 ما يهمنا هنا هو التعرض لبعض القضايا التي عالجها فروم والتي لابد من القول عنها أنها حلول افتراضية لكنها في نفس الوقت تتناول قضية فكرية ربما عالقة منذ أواخر القرن الماضي إلى وقتنا الحالي، وما يهما في هذه القضية الفكرية هو محاولة أيجاد تعريف أوضح وأكثر شمولا لمفهوم الصحة النفسية  بين أهم نظريتين في علم النفس وعلم الاجتماع ونقصد بذلك النظرية الفرويدية والنظرية الماركسية، والتي نجد أنفسنا هنا بغنى عن التدليل على مدى أهميتهما في التأثير على الفكر المعاصر في نهاية القرن العشرين. فالنظرية الفرويدية التي لا زالت تعتبر صاحبة الأثر الأكبر على بناء وتشكيل علم النفس المعاصر بكافة فروعه وتشعباته حديثها وقديمها، وما خلقته هذه النظرية من حالة جدل أدت إلى هذا الكم الهائل من المعرفة السيكولوجية الحديثة. في المقابل فان النظرية الماركسية كان لها أثر شامل وفعال في بعض الحالات على مجتمعات وثقافات أمم بأسرها بما في ذلك النظم الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية بلأضافة إلى خلق وضع نفسي عام كان واحد من أهم قضايا الصحة النفسية المعروضة للنقاش. وفروم في كتابه "ما وراء الأوهام" يناقش في الفصل السادس والسابع من نفس الكتاب مفهوم الصحة النفسية من منظور مقارنة النظرية الماركسية والفرويدية، والتي يحاول من خلالها أيجاد العوامل المشتركة بين النظريتين من خلال معالجتهما لمفهوم الصحة النفسية على المستويين الفردي والجماعي.

أن الطريق لمناقشة الدراسة المقارنة حول الصحة النفسية عند فروم والذي سنحاول أن نلخصه في التشابه الجوهري بين النظريتين في النظر إلي ذات الموضوع (مفهوم الصحة النفسية)، يجب أن ينطلق من تعريف المتغيرات التي يقع بينها التشابه متبعين في ذلك نفس الأسلوب  الذي يستخدمه أريك فروم في تعريف تلك المتغيرات والتي نعني بها المرض الذي هو: الاغتراب حسب ماركس، وأشكال العصاب لدى فرويد. فالاغتراب الإنساني يعني: اغتراب  الإنسان عن أعماله وعن الإنسان الآخر وعن الطبيعة " وبنفس اللغة فان العصاب " المرض النفسي "هو استحواذ رغبات نابعة من "هو" الإنسان على ألانا الواعي) وفي كلا الحالتين فأن الاغتراب والعصاب الذي سيصبح عما قليل شكلا من أشكال الاغتراب يحدثان في منطقة  اللاوعي من فكر الإنسان . يقول فروم في هذا الصدد (إن المريض المصاب بمرض العصاب هو كائن إنساني مغترب، أنه لا يحس بأنه قوي، ويخاف وهو مكبل لأنه لا يرى و لا يعرف نفسه ذاتا ومسببا لاعماله وتجاربه، فهو عصابي لانه مغترب). ومن خلال العودة إلى مفهوم الاغتراب الإنساني لدى ماركس فأنه يفترض بأن الإنسان يصبح عبد لنتاجه الذاتي كلما تضخم هذا الإنتاج وزاد ابتعاده عن متناول يده ، هذا الأمر بدوره يعني أن تطور وسائل الإنتاج وزيادة جهل الإنسان بها يدفعه إلى تأليهها كما هو حال المصاب بالعصاب والذي يأله بعض المنتجات الذاتية الطفولية له " الرغبات الجنسية " والتي تنتقل من الوعي الحر إلى اللاوعي في المراحل المتقدمة من العمر. ويركز فروم في هذا الصدد على وصف آلية الإسقاط التي يمارسها المنتفع على المحلل النفسي، وهو بذلك يفترض أن الإنسان المريض والذي تتحكم بسلوكياته ألهو الطفولي، يكون فاقد للموضوع فيختار المحلل النفسي كموضوع إسقاطي للمشاعر "ولكي يتغلب ( العصابي) على إحساسه بالفراغ الروحي والعجز يتخير موضوعه الذي يسقط عليه قدراته الإنسانية: حبه وذكاءه وشجاعته وغيرها. وعليه حين يستسلم لهذا الموضوع "المحلل النفسي" يحس أنه تعرف على قدراته \، ومن ثم يحس أنه قوي وحكيم وأنه في أمان واطمئنان " وخير مثال لمثل تلك العلاقات الاسقاطية هو علاقة الغرام التي قد تحدث بين رجل وامرأة والمثال لفروم، فعندما يلتقي رجل بامرأة وتنشئ بينهم علاقة حب والتي قد تنتهي لا حقا من قبل تلك المرأة فان الرجل قد يُحمل تلك العلاقة وتلك المرأة مشاعر كثيرة جياشة، وقد يبدء بالشعور بأنها كل شيء في حياته فهو يعتقد أنه لا يستطيع مواصلة العيش بلاها، هذا بدوره ليس ألا إسقاط لمشاعر داخلية على موضوع ربما لا تربطه بهذه الأفكار والمشاعر أي رابطة تذكر .وكلما زاد المرء إسقاطه لتلك المشاعر أزداد فقر وشعور بالفراغ بسب انقطاع علاقته بها .والحال كذلك بالنسبة للاغتراب الفكري ، فقد يتبنى المرء أفكار يعتقدها أفكار خاصة، وعندما يستمع أليها في وسائل الأعلام فأنه يعتقد أنهم يقولون أفكاره في حين أنه هو الذي يعتقد بما يقولون .ومن خلال هذا الوصف الذي يقدمه فروم عن أشكال المرض النفسي رابط بين الاغتراب والعصاب  فأنه يقول عن الاغتراب" الاغتراب بصفته مرضا للذات يمكن عده لب المرض النفسي للإنسان الحديث حتى لو كانت المسألة مسألة أشكال أقل تطرفاً من ذهان. وقد توضح بعض الأمثلة السريرية الإكلينيكية هذه العملية. ولعل أكثر حالات الاغتراب وقوعا وأشدها وضوحا هو <الحب الكبير> الزائف" . وكون العصاب هو المرض النفسي السائد والمنتشر والذي يمكن القول عنه بأنه لا يخلو من كل إنسان تقريبا، فان الحال نفسه مع الاغتراب، والإنسان الذي يتمتع بالصحة النفسية هو ذلك الذي يتمتع بإرادة حرة حسب كلا من فرويد وماركس ، وهو في النهاية حرا من العبودية لكل من عمله وغرائزه. و استقلالية الفرد عن العالم الخارجي بالمعنى الإيجابي للكلمة بحيث لا تعود أشياء هذا العالم الخارجي هي المسيطرة على فكره ومشاعره بل خاضعة لهذا الفكر والشعور الذي هو جزء من أرادته الحرة. وهنا قد يتساءل البعض: لكن الإنسان يشعر بالاغتراب عندما يشعر بأنه غريب عن عمله أو عن غرائزه، فنقول انه غريب عنها لأنه لا يستطيع فهم آليات عملها وقوة تأثيرها عليه، فهو بهذا المعنى غريب فكريا وعاطفيا وبعبارات أكثر قسوة عاجزا عن أن يكون فعالا في العالم الذي يعيش فيه. فالسيارة التي يصنعها في المصنع هي في النهاية أمرا لا يخبر متعت قيادتها ولا يراها في شكلها النهائي الذي يقدم مفهوم جماليا للآخرين عن عمله هو الذي يرى محركها البشع فقط. وعودً على بدء فالإنسان العصابي المغترب هو الإنسان الذي " لا يقبل وهو "إنسان كلي " بكل علاقة من علاقاته مع العالم. " فأشياء العالم الخارجي هي موجهه وطريقه في العلاقات مع الأشياء ،والطريقة التي يفكر بها حول الأشياء إذا ما اعتبرنا الآخرين جزء من هذه الأشياء. وقد يبدو للبعض أن هذه الاستنتاجات حول ارتباط الاغتراب بالعصاب "أو تطابقهما هي الطريق للتقليل من أهمية الغريزة الجنسية التي ستبدو واحدة من أشكال الاغتراب التي لا يتعدا تأثيرها الفرد أن وجدت، وربما سيكون مفهوم لنا بشكل أكبر هذا الاستنتاج إذا ما عرفنا بأن أريك فروم واحد من أكثر الذين تأثروا بعالم النفس الاجتماعي الفرد أدلر الذي قال بأن الطاقة النفسية للإنسان تنبع من " الحب، والعمل، الصداقة "، وأدلر بذلك يعتبر العالم الأول الذي أوجد عوامل الاشتراك بين النظرية الفرويدية والماركسية. 

وإذا ما كنا قد تعرضنا إلى ألان إلى الفرد المريض والذي يقود بشكل حتمي إلى مجتمعا مريض فأن الوقت قد حان للحديث عن الفرد الصحيح نفسيا والذي يقود بالتأكيد إلى مجتمع صحيح نفسيا . ويقول فروم بعبارة بسيطة في هذا الصدد بأن [ الإنسان الفرويدي المستقل تحرر من التبعية الأم، و تحرر الإنسان الماركسي من التبعية للطبيعة.]  لكن فارق وحيد يقع بين الاثنين في أن فرويد لا يؤمن ألا باستقلال محدود. في الوقت الذي يرى ماركس بأن الإنسان بإمكانه الوصول إلى حالة الاستقلال الكامل منفصلا بذلك عن كل الأشياء التي تقوده للعبودية وقادرا على تقيمها تقيما موضوعيا كي يعيد بناء علاقته معها بناء على أرادته الحرة، ربما لان سبب المرض النفسي عند ماركس هو في النهاية العمل الذي ينتجه الإنسان والذي ينفصل عنه، في الوقت الذي يكون  سبب المرض النفسي عند فرويد ناتجا عن الحاجات الجسدية التي لا يستطيع الإنسان الانفصال عنها .ويعود فروم للقول "وتبعا لذلك يكون الإنسان الصحيح عند فرويد ذلك الذي بلغ المرحلة التناسلية وصار سيد نفسه والذي يستقل عن أبيه وأمه ويعتمد على عقله وقوته، ولكن إذا كان تصور فرويد عن الصحة النفسية واضحا في معالمه الرئيسية أيضاً فأن مفهومه يبقى، مع هذا غامضا بعض الشيء بصورة إجمالية"  وبهذا  فأن فروم يقدم لنا اعتراف بصعوبة التطابق الكلي بين الاغتراب والعصاب بالرغم من حجم التشابه الضخم بين الاثنين. كما أن فرويد في المقابل يعترف بأن الإنسان الصحيح-بالمعنى المثالي والكامل للكلمة -ربما حالة لن يستطيع الوصول أليها أي من البشر .وهو بهذا أكثر واقعية من ماركس الذي رأى في تطبيع المبادئ الاشتراكية علاجا جماعيا لأشكال معقدة وغير محدودة من الاضطرابات النفسية الفردية. مفترضا بأن كل الأفراد هم صور مختلفة لطبيعة إنسانية مثالية واحدة ومسقطا الكثير من أشكال الفروق الفردية الجوهرية ومغلبا أشكال الحركة للتجربة التاريخية الجماعية على أشكال الحركة للتجربة التاريخية الفردية. ويخلص ماركس للقول إلى أن الإنسان الصحيح الذي يؤدي بالتأكيد إلى خلق مجتمع صحيح هو " الإنسان المتطور تطوراً كاملا والسليم نتيجة لذلك لهو الإنسان المنتج الذي يهتم بالعالم اهتماما صحيحا ويستجيب له؛ أنه الإنسان الغني" وبعبارات أخرى هو الإنسان الذي يمتلك قدرته وعمله، والذي يسعى النظام الاشتراكي إلى أيصال جميع الأفراد إلى حالته في ذات الوقت وبالتساوي .لكن أمرا مشترك مهم لدى النظرتين في طبيعة الإنسان الصحيح لا بد من عرضه هنا يدلل على قوة الترابط بين النظريتين في الخطوط العريضة والجوهرية لكليهما ألا وهو أن الإنسان الصحيح في كلا الحالتين هو الإنسان الذي يصل إلى وعي كامل لسبب المرض النفسي وهو في هذه الحالة يقع في الموقع النقيض تمام لقرينه المريض نفسيا في الجهة المقابلة أي اللاوعي كما رأينا سابقا.  أن هذه المحاولة المتواضعة في التدليل على مفهوم الصحة النفسية والمرض النفسي عند كلا من فرويد وماركس وحسب رؤية فروم، محالة ربما تستدعي التوقف عند الضرورة الملحة لدراسة مقارنة بين علم النفس [الفرد] – والذي هو جزء فعال في المجموعة – وعلم الاجتماع " المجموع "، والتي ستقود حتما إلى توسيع الصلة بين العلوم الإنسانية ببعضها البعض وبالعلوم الطبيعية في نفس الوقت \، الأمر الذي سيقود إلى تسليط الضوء على بعض المعضلات العالقة في كافة تلك العلوم، أو ربما الآمر الذي سيقدم تغيرا جذريا لبعض المفاهيم المغلوطة.