You are here

اضراب المعلمين الفلسطينيين عقاب لمن؟

المصدر: 
مدرسة الدوحة الأساسية-القدس
الناشر: 
زهرية حجازي
السنة: 
2008
تعرض هذه الورقة خلفية عن اسباب ونتائج إضراب المعلمين في فلسطين خلال الأعوام 2007-2008

تبدأ حكاية إضراب المعلمين نع انتخابات السلطة الفلسطينية في العام 2006، وصعود حركة حماس الى سدة الحكم في الأراضي الفلسطينية، فكان العقاب الجماعي لشعب لم يقم بشئ الا بممارسة حقه الأساسي الذي يضمنه له النهج الديمقراطي في انتخاب ممثليه، محولاً  ما يزيد على 50000 أسرة فلسطينية تلهث وراء مصدر دخلها، ومتعلقة بنكافات سياسية وحزبية لا تخدم بالأصل أحداً. فعدد المعلمين في المدارس الفلسطينية للعام الحالي يزيد على 48282 معلماً (حكومة ووكالة غوث)، إضافة إلى 3871 آخرين يعملون في رياض الأطفال، وانقطاع أكثر من مليون طفل فلسطيني عن مدارسهم لأكثر من شهرين (أي أكثر من ربع العام الدراسي) لا ولن يؤدي في نهاية الأمر الا الى تدمير البنية الأكاديمية والقيمية للطالب الفلسطيني.

إذا انطلقنا من هدف التربية الرامي الى مساعدة الفرد في تحقيق النمو الشامل والمتكامل والمتوازن لأفراد المجتمع، من خلال حث النمو العقلي، النفسي، الجسمي والاجتماعي لديهم، يجيء الاضراب محولاً هذا الهف الى حلم مستحيل، فالسياسات والاجراءات الضاربة بعرض الحائط الأجندة الوطنية والمحولة آلاف الطلاب وذويهم ومعلميهم الى رهينة نزاعات حزبية من ناحية وضغوطات غربية، اسرائيلية وعربية من الناحية الأخرى، تقضي على ما تبقى من هذا الحلم.

إن ظاهرة إضراب المعلمين جديرة بالتوقف والبحث فيها وبآثارها على الطالب والمعلم والمجتمع؛ ففي خبر نشر في صحيفة القدس المقدسية بتاريخ 2/9/2006 م أعلن 165 ألف موظف حكومي بينهم نحو 40 ألف معلم ومعلمة بدء إضراب مفتوح عن العمل احتجاجًا على عدم تسلمهم رواتبهم للشهر السادس على التوالي وإغلاق المدارس الرسمية أمام حوالي مليون طالب وطالبة بداية العام الدراسي الجديد. الأمر الذي نتج عنه  نسف فرحة مئات آلاف التلاميذ وذويهم خاصة أطفال الصف الأول الأساسي من بدء خطوة إضافية في مستقبلهم الدراسي، واقع لم يختلف حتى هذا اليوم (أي حتى أكتوبر 2008)، حيث ما زال المدرسون الجدد مضربين عن العمل نتيجة نفس المشكلة التي صار عمرها الآن سنتين، بدون راتب ومع كثير من عدم الرضى والأحباط المستمرين. فهؤلاء الرسل لم يتوانوا لحظة في تعويض طلابهم عما خسروه في الأشهر الأولى من الإضراب لكي لا يضيعوا فرص التعلم وخسارة السنة الدراسية، ولكن هذا التفاني لم يقابل بتغيير في السياسات المحلية والدولية تجاه الحفاظ على قضية التعليم قضية مقدسة يجب عدم المساس بها.

جميعنا يذكر الاضراب والإغلاقات الممنهجة في العام 1987 ولأسباب أخرى كان للاحتلال اليد الفاعلة فيه بشكل مباشر، وكلنا يتذكر وضع الطلاب حينها، ولمن خانته ذاكرته لا بد لي من حثها والتوقف عند النتائج الكارثية التي نجمت عن التوقف عن التعليم لفترة متواصلة، طلاب في الأسواق غير راغبون في العودة الى مقاعد الدراسة، ترفيع تلقائي لطلاب فقدوا أساسيات الحساب واللغة، وطلاب جامعيون تخرجوا في التخصصات المختلفة دون أن تكون لديهم الملكات الأساسية في تخصصاتهم، فعلى سبيل المثال لا الحصر، أذكر طلاب اللغة العربية الجامعيين عند تخرجهم من إحدى الجامعات العريقة من دون أن يتعلموا أساسيات النحو ودون أن يتمكنوا من معارف اللغة الأساسية والذين نراهم اليوم يديرون دروس اللغة العربية في بعض المدارس.

المنهاج الفلسطيني مبني على أساس تراكم المعرفة وأدوات التفكير، فإذا اختلت مراحله الأولى ستختل بالطبع مراحله القادمة، فمادة الحساب والعلوم واللغة هي مواد تراكمية، وبحاجة الى تعلم المعارف، نقاشها وأحياناً كثيرة تطبيقها والتدرب عليها، ليجيء الاضراب جاعلاً هذا الأمر غير ممكن على الأطلاق. فخلال أيام التعويض يعمل المدرس على اكساب المعارف وعمل اختصارات وتقليصات ضرورية يراها مهمة من أجل إكمال المادة المطلوبة في نهاية العام، الأمر الذي لا يجعل مكاناً أصلاً لتذويت المعرفة وتطبيقها واكتساب المهارات المعرفية، القيمية والسلوكية المطلوبة، ومن ثم تراكم المعلومات يصبح طرحاً غير واقعي.

المطلوب هنا وقفة جدية للسلطة الفلسطينية وحكومة تسيير الأعمال والشرفاء من الأحزاب والتمثيلات الشعبية، يقومون بها لتقزيم الخلافات والضغط على العالم ليفتح أبوابه أمام مستقبل هؤلاء الصغار الذين، لأشهر متتالية نسينا مسؤولياتنا تجاههم، ولرحمة هؤلاء المعيلين الذين يقومون بأقدس مهنة خلقت على هذه البسيطة. حيث أن الوقوف بجانب الطلاب، ذويهم ومعلميهم يجب أن يكون بالضغط والمناصرة للحق في التعليم لكل طفل فلسطيني والحق في العيش الكريم لكل مدرس يقوم بعمله.