You are here

الآثار النفسية الاجتماعية لأَسْر النساء على عائلاتهن

المصدر: 
المركز الفلسطيني للإرشاد
الناشر: 
عنان سرور 2015
السنة: 
2008
مقال حول الآثار النفسية لأسرالنساء

إعداد: عنان سرور

الآثار النفسية الاجتماعية لأَسْر النساء على عائلاتهن

إن الاعتقال والأَسْر لأسباب أمنية لهو أصح جزء من السيرة الذاتية لكل فلسطيني، خاصة الذكور منهم. ففي إحدى الإحصائيات أُشير إلى أن ثلث الفلسطينيين قد تم اعتقالهم والتحقيق معهم خلال الانتفاضة الأولى. أما أَسْر النساء فيبقى له شأن خاص لما لهن من موقع اجتماعي في المجتمع الفلسطيني المحافظ. فإن أَسْر المرأة بيد العدو يذكر أفراد المجتمع بشكل عام وذوي الأسيرة بشكل خاص بمفهوم السبي. ويحمل هذا المفهوم في طياته معنى الإذلال، الضعف، اللاحول، والاستغلال. هذا بعكس ما تثيره كلمة "أسير حرب" وفيها الكثير من البطولة والرجولة والصمود. إن المشاعر المثارة جراء التفكير ب"السبي" هي صعبة جدا للهضم والتعامل معها، مما يجعل الضحية وذويها على حافة الانهيار.

هذا الوصف - سبايا - وإن كان جارحا بعض الشيء، فهو جاء ليثير مدى مأساة الأسيرة وذويها حيث تغمرهم الحاجة للانتقام والشعور باللاحول، وكثيرا ما يبدؤون في تبادل الاتهامات للتخفيف من شدة توترهم. في الكثير من الاحيان فإن رفيقات الأسر يكون جانبا داعما ذا تأثير قوي يعطي الأسيرة الثقة بالذات لتتخلص من شعور السلبي وتتقوى هوية المناضلة، أما أهلها الذين يعيشون في المجتمع فينقصهم هذا الدعم ليستبدله نظرات الناس التي تبث الشفقة مما يزيد من مأساتهم. هذا الشعور قد تقل حدته في حالة قناعة الاهل بنضال ابنتهم ولكنه سيكون قاتلا إذا ما بدأ يتغلغل الشعور بالذنب الذي يتهم به افراد العائله أنفسهم بأنهم كانوا السبب في أسرها.

تأتي هذه المقالة لتصف أوضاع عائلات الأسيرات الفلسطينيات في ظل أسر ابنتهم/أمهم. هذه المقالة تتأسس من اطلاعي على قصص عائلات 65 أسيرة ممن قبعن في سجون الاحتلال خلال سنة 2007. لن استعمل الإحصائيات في دعم ادعاثاتي وذلك لكون المعلومات التي في حوزتي غير شاملة (65 من أصل 92 عائلة) وغير دقيقة. لذا سأكتفي بوصف سردي معلل بتفسير مجريات حياة هذه العائلات.

 عائلة الأسيرة قبل الأسر

للإجابة على السؤال ‘من هي الفتاة الفلسطينية التي تتعرض للأسر؟’، كان هناك مؤشران واضحان. الأول، وجود أسير حالي أو أسير سابق من عائلتها النووية. العديد من عائلات الأسيرات لها تاريخ في الاعتقال والأسر، فيكون أسر الفتاة إما كجزء من الضغط على أفراد آخرين من العائلة وإما لما تشارك به الفتاة في المقاومة بشكل مباشر. هذه العائلات تتعامل مع الأسر كتضحية مما يجعلها أكثر صمودا أمام الآثار النفسية السلبية للأسر بالرغم من تعدد الأسرى بها. كذلك، بعض العائلات تحمل في تاريخها فقدانا أليما لشهيد أو هدم منزل.

أما المؤشر الثاني فهو وجود مشاكل عائلية أخرى تضع الأسيرة في موقع اللاحول لتقفد معنى الحياة. هذه الأسيرة تختار المقاومة، وغالبا بشكل غير منظم، لترجع لذاتها الشعور بالقيمة ولترجع للحياة معناها.

الأسيرة الإبنة

أكثر ما يلفت الانتباه حول والدي الاسيرات هو كونهم يعانون من أمراض جسدية كثيرة. أغلب هذه الأمراض لها جانب نفسي حيث تتركز أغلبها في: ضغط الدم، جلطة دماغية، أمراض في العظام مثل الدسك والغضروف والروماتزم، السكري، أمراض المعدة، والشقيقة. هذه الآلام الجسدية تعبر عن مدى سوء الحالة النفسية لمن يعيش تجربة أسر ابنته. فالعائلة الفلسطينية تدير حياتها حول حماية بناتها من مخاطر ما خارج البيت، لذا يستصعب الأهل جعل ابنتهم تنام خارج البيت حتى لحاجات التعليم، فكم بالحري نزع الفتاة من بيتها لتقبع في سجن تتعرض به للاهانات يوميا دون أن يستطيع والدها الدفاع عنها وعن كرامتها. هذا الوضع يضع الأب خاصة بشعور اللاقيمة حيث يفقد شعوره بالقدرة على حماية أبناءه فيصبح عاجزا أمام بطش الاحتلال. هذا العجز يتحول إلى أعراض اكتئابية بسبب شعور الأب بفقدانه لوالديته الحامية لابنته.

الأسيرة الأخت

في هذه الحالة، سأفصل النقاش ليتطرق للأخوات القريبات للأسيرة من ناحية عمرية عن النقاش حول الأخوة الاصغر سنا. في الحالة الأولى، تفقد أخت الأسيرة شريكة لها في حياتها كانت تشاركها العديد من التجارب اليومية. لذا نرى هؤلاء الأخوات يملن الى الانطواء بسبب فقدان "الرفيق". وعادة ما تأخذ على عاتقها مهام رعاية الوالدين بدلا من الأسيرة الغائبة عن البيت. وبهذا فهي تتحمل عبءً اضافيا لتعاملها مع انفصالها عن أختها.

أما بالنسبة للأخوة الاصغر عمرا، فيعانون من توتر وقلق نابع من عدم إدراكهم الكامل لمعاني الاعتقال وظروفه. أسر الأخت له أثر مباشر على الأخوة ولكن الأثر الأكثر سلبية هو غير المباشر الذي ينبع من معاناة الأهل الذين يفقدون قدرتهم على الاعتناء بباقي الاطفال لما يعانونه من صعوبات نفسية في التعامل مع أسر ابنتهم. لن ننسى أنه في العديد من العائلات يقع على عاتق هؤلاء الأخوة الصغار زيارات السجن بسب منع باقي أفراد العائلة من الزيارة لأسباب "أمنية". هذه الزيارات تتطلب من الأطفال طاقات نفسية جسيمة حيث يقع عليهم مهمة هضم المواقف المهينة والمناظر المقززة في السجن. كذلك يقع عليهم مهمة الوقوف في توقعات كل من الطرفين – الاهل الممنوعين من الزيارة والأسيرة المشتاقة لأهلها، فيشعرون بتوتر كبير لصعوبة هذه المهمة ولخوفهم من عدم قدرتهم على تنفيذ هذه المهمة على أحسن وجه.

الأسيرة الزوجة

من خلال معاينة قصيرة للحالة الاجتماعية للأسيرات، اتضح أن أغلب الأسيرات المتزوجات يقبع أزواجهن في السجن أيضا. وجود كلا الزوجين في الأسر يعني وجود أطفالهما خارج السجن دون والديهما، وبهذا يكون الأطفال تحت رعاية العائلة الممتدة وبالأخص الجد أو الجدة. كون الاطفال في حماية العائلة الممتدة بدلا لوالديهما يجعل الأسيرة وزوجها الأسير يعيشان في قلق فظيع حول مصير أطفالهما.

في الكثير من الحالات يصبح موضوع لقاء الزوجين داخل السجن موضع نضال على الحق في لقاء الزوجين ويقترن باضرابات عن الطعام وبرفع دعاوى ذات طابع قانوني. من المهم الإشارة إلى أن لقاء الزوجين هو بمثابة تحقيق لحق الزوجين في اللقاء واطمئنان الواحد على الآخر حيث يتبادلان همومهما حول اطفالهما الذين يعانون فراقهما.

أما المجموعة الثانية من الأسيرات المتزوجات فقد تم طلاقهن إما قبل الأسر أو خلال فترة قصيرة من اعتقالهن. كون الأسيرة مطلقة لأسباب تخص حياتها الزوجية يسبب قلقا مشابها لذلك الذي وصف بالنسبة للأسيرة زوجة الأسير، حيث يعيش الأطفال في ظل عدم وضوح بين عائلة الأسيرة وعائلة طليقها. هذا بالإضافة لشعور الاحباط النابع من معرفة الأسيرة أن ابناءها يعيشون مع زوجة أب التي تأخذ دورها في غيابها.

الأسيرة الأم

في طيات أسر الأم يختبئ الكثير من مشاعر الغضب وااللوم اتجاهها من قبل أطفالها وذلك بسب شعورهم بأنها تركتهم. إن معرفة الطفل أسباب غياب أمه لا يخلصه من شعوره بالرفض الذي يعيشه نتيجة لانفصاله عن أمه دون رغبته. هذه المشاعر لها آثار سلبية جسيمة فيما يخص نظرة الطفل لذاته ولإدراكه لقدراته. في العديد من عائلات الأسيرات ظهرت أعراض نقوصية مثل التبول الليلي ومص الاصبع لدى أطفال الأسيرات وذلك تعبيرا عن ضائقتهم النفسية. كثيرا ما نرى تقطب في ردود فعل الأطفال لأسر أمهم، فهنالك من يلجأ للانطوائية بسبب شعوره بعدم القيمة، وهنالك من يلجأ للانبساطية والعنف محاولا إرجاع شعوره بالسيطرة.

من المهم الإشارة إلى تبعات زيارة الطفل لأمه التي تمنع من حضنه والتقرب منه جسديا. فهذا الطفل المتعطش لحضن أمه لن يفهم المانع الحديدي الذي يقف بينهما بل يعطيه معاني خيالية تحمل في طياتها الرفض وعدم الرغبة في احتضانه. سلطات الأحتلال تمنع الأطفال الذين تجاوزوا 6 سنوات من عمرهم التقرب من أمهم وملامستها، مع العلم أن التلامس في عمر أصغر أيضا له محدوديات كثيرة. الفصل الجسدي المعلل بادعاءات أمنية، له انعكاسات كبيرة على أطفال الأسيرات، خاصة وأن لمس الأم هي حاجة تطورية لدى الطفل لا يغني عنها أي تدخل نفسي.

أخيرا، حاولت خلال هذه المقالة القصيرة وصف الملابسات النفسية لأسر النساء في المجتمع الفلسطيني مركزا في الآثار المتعلقة بعائلة الأسيرة على فئة البالغين – أهل، زوج، وأخوة بالغين - وعلى فئة الأطفال – أبناء وأخوة صغار. فلا حاجة للتأكيد بأن أسر ابنة، زوجة، أم، أو أخت هي حادثة ذات آثار نفسية واجتماعية عديدة تتسبب في انتهاكات حقوق الإنسان لذوي الأسيرة بالاضافة لحقوقها هي ذاتها.